بعض المخبرين الصحفيين الذين يغطون عمل الشرطة ينظرون إلى أنفسهم بعد فترة على أنهم قد أصبحوا من رجال الشرطة· وبعضهم الآخر مثل ''جوديث ميلر'' الصحفية سيئة السمعة بـ''نيويورك تايمز'' يميلون إلى النظر إلى أنفسهم على أنهم قد أصبحوا صناع سياسات، وخلال ذلك كله يقومون بتدمير سمعة صحيفة عريقة مثل ''نيويورك تايمز''، ويسيئون إلى مبادئ العمل الصحفي ويساعدون - كما في حالتنا هذه- قوماً مثل المحافظين الجدد على جر أميركا إلى حرب مدمرة، ولا تبدو لها نهاية في العراق· وبقدر نفوذ صحيفة مثل ''نيويورك تايمز'' بقدر ما كانت عثرتها كبيرة، عندما تنازلت عن مسؤوليتها في لجم صحفية منفلتة سيئة السمعة·
إن خطيئة ميلر تتمثل في أنها كانت تخلط بين دورها كمخبرة صحفية ووضعها كصديقة مع مصادرها·· ولكن ماذا عن رؤساء تحريرها وأين كانوا؟ لقد خلق الله رؤساء التحرير، كي ينقذوا الصحف من الوقوع في مثل هذه الفخاخ؟ وفي حين أن بعض المخبرين الصحفيين، قد يتخيلون أنفسهم أنهم قد أصبحوا صناع سياسة - مثلما فعلت الآنسة ميلر- فإن رؤساء التحرير المسؤولين عنها كان يجب أن يوقفوها عند حدها، ويدركوا أنهم عندما يقومون بالتغاضي عنها فإنهم يحولون ''نيويورك تايمز'' إلى أداة للعلاقات العامة، ويساهمون في الترويج لأجندة المحافظين الجدد في العراق·
ولكن كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد·· وأين هي النقطة التي أخفق عندها نظام الضوابط والتوازنات المعمول به في ''نيويورك تايمز''؟
من الأمور الموثقة جيداً، أن الآنسة ميلر قد مارست هذا النوع من الخداع مرات عديدة من قبل خلال مسيرتها الصحفية الملتوية، كما شهدنا نحن زملاؤها من المراسلين والصحفيين الذين عملنا بجانبها في ''نيويورك تايمز'' بأنفسنا لعقود· وليس هناك شك في أنها قد تمكنت من الإفلات من العقاب طيلة تلك الفترة بفضل الحماية التي كان يضفيها عليها الكثيرون من رؤساء التحرير، والمديرون الذين إما كانوا يشاركونها آراءها، أو كانوا يخشون غضبها، وخصوصاً أنها كانت تردد دوماً مزاعم، وتلميحات، وتأكيدات تنقصها الدقة عن وجود علاقة خاصة تربطها مع ناشر الصحيفة الشاب ''أرثر سالزبيرجر جي آر'' الذي لم يحاول إزالة هذه الشبهات عن نفسه بل قام بالظهور خلف الآنسة ميلر مباشرة بعد الإفراج عنها بعد قضائها 80 يوما - دون ضرورة- في السجن بهدف - كما كان معظمنا يعرف - استعادة بريقها، وكتابة الكتب، وإعادة اختراع نفسها من جديد، وليس بسبب دفاعها المبدئي عن حرية التعبير·
والآنسة ميلر، كما كتبت ''مارين داود'' كاتبة العمود في ''نيويورك تايمز'' ذات مرة، كان لديها دائما ذلك النوع من المشاعر المنحرفة بشأن العلاقات التي كانت تقيمها مع الرجال الموجودين في موقع السلطة، والذين كانت تنجذب إليهم بشكل تلقائي طوال حياتها· ليس هذا فحسب بل إنه حدث في كثير من الأحيان، أنها كانت تقوم بالخلط بين دورها كمخبرة صحفية وبين دورها كصديقة، كما تبين السجلات بوضوح في أكثر من مناسبة· وفي إحدى تلك المناسبات قام '' آب روزنثال'' رئيس التحرير التنفيذي لـ''نيويورك تايمز'' في ذلك الوقت بمرافقتها لتغطية أنشطة الكونجرس، ولكنه اكتشف أنها تقيم في بيت واحد مع ''ليس أسبن'' عضو الكونجرس حينذاك· وعلى الرغم من ذلك فإنها لم تهتم على الإطلاق بإعلام الصحيفة عن هذا التضارب الصارخ في المصالح· وفي الحقيقة أن هناك قولاً مأثوراً ظهر في ''نيويورك تايمز'' بعد ذلك يقول:''ليس هناك ما يمنع قيامك بتغطية نشاط السيرك ولكنك يجب ألا تنام مع الفيلة''· وقد نسب هذا القول لـ''آب روزنثال''، ولكن وبصرف النظر عمن قاله، فإن ما حدث يعد من الأمور المعروفة جيداً لأي أحد سبق له أن عمل في أي وقت في الصحيفة·
وفيما بعد تم إعفاء الآنسة ميلر من عدد من المناصب منها منصب مديرة مكتب ''نيويورك تايمز'' في واشنطن، وكبيرة مخبري مجلس الأمن القومي، وخصوصاً بعد مأزق أسلحة الدمار الشامل·· ولكن السؤال هنا هو لماذا لم يتم إنهاء خدماتها أبداً أو فرض رقابة جدية عليها؟ وكيف حدث أنها لم تقابل أبدا رئيس تحرير أقدم في ''نيويورك تايمز'' لديه الكثير مما يقوله من أجل إيقاف تلك المخبرة الصحفية، التي كانت قد أصبحت مثل القطار الذي خرج عن القضبان؟·· وكيف حدث أن رئيس التحرير التنفيذي الحالي ''بيل كيلر'' كان الوحيد الذي واتته الجرأة كي يقول لها ذلك، بعد أن قام بحرمانها من منصبها ككبيرة للمخبرين الصحفيين في مجلس الأمن القومي· نعم هذا هو ما حدث· لقد كان من المحتم في نهاية المطاف أن تصبح الآنسة ميلر في النهاية مثل السيارة التي تمضي على طريق يؤدي بها في النهاية إلى صدام مروع·· وهذا هو ما حصل·
وما حدث يعد فضيحة لن تمر قبل أن تؤدي إلى إطاحة بعض الرؤوس· ويمكننا إدراك مدى الكارثة بشكل أفضل عندما نعرف أن حرب العراق قد أدت حتى هذا الأسبوع إلى مصرع 2000 جندي أميركي، بالإضافة إلى 30 ألفا آخرين من المجندين والمجندات، الذين أصيبوا أو تعرضوا لتشوهات مستديمة، وأن هناك 150 ألف عراقي معظمهم من المدنيين